الأربعاء 11 سبتمبر 2024 05:40 مساءً
نافذة على العالم - تقدم دراسة نشرت في مجلة Nature Machine Intelligence نموذجا متقدما للذكاء الاصطناعي قادرا على إنشاء ألوان افتراضية لأنسجة السرطان.
تعد الدراسة، التي قادها علماء من جامعتي لوزان وبرن، خطوة كبيرة إلى الأمام في تحسين تحليل الأمراض وتشخيص السرطان، وفق ما ذكره موقع ميديكال إكسبريس.
نهج جديد لتحليل أنسجة السرطان
من خلال مجموعة من التقنيات الحسابية المبتكرة، قام فريق من علماء الكمبيوتر وعلماء الأحياء والأطباء بقيادة ماريانا رابسومانيكي في جامعة لوزان وماريانا كرويثوف دي جوليو في جامعة برن بتطوير نهج جديد لتحليل أنسجة السرطان.
انطلاقا من الدافع للتغلب على البيانات التجريبية المفقودة، وهو التحدي الذي يواجهه الباحثون في كثير من الأحيان عند العمل مع أنسجة محدودة من المرضى، ابتكر العلماء "VirtualMultiplexer"، وهو نموذج ذكاء اصطناعي يولد صورًا افتراضية لتلوين الأنسجة التشخيصية.
التلوين الافتراضي
باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، تقوم الأداة بإنشاء صور دقيقة ومفصلة لأنسجة السرطان تحاكي ما قد يبدو عليه تلطيخها لعلامة خلوية معينة.
يمكن أن توفر مثل هذه الصبغات المحددة معلومات مهمة عن حالة سرطان المريض وتلعب دورًا رئيسيًا في التشخيص.
وأوضح رابسومانيكي، عالم الكمبيوتر وخبير الذكاء الاصطناعي في مركز علوم البيانات الطبية الحيوية بجامعة لوزان ومستشفى جامعة لوزان، والمؤلف المشارك في الدراسة أن "الفكرة هي أنك تحتاج فقط إلى تلوين نسيج واحد فعلي يتم إجراؤه في المختبر كجزء من علم الأمراض الروتيني، ثم محاكاة الخلايا في هذا النسيج التي ستصبغ بشكل إيجابي لعدة علامات أخرى أكثر تحديدًا".
تقلل هذه التقنية من الحاجة إلى إجراء تحليلات معملية كثيفة الموارد وتهدف إلى استكمال المعلومات المستمدة من التجاربز
ويضيف بوشباك باتي، المؤلف الأول للدراسة: "يمكن أن يكون نموذجنا مفيدًا للغاية عندما تكون مادة الأنسجة المتاحة محدودة، أو عندما لا يمكن إجراء عمليات التلوين التجريبية لأسباب أخرى".
ولكي نفهم المنهجية الأساسية التي يطلق عليها "الترجمة التناقضية غير المزدوجة"، يمكننا أن نتخيل تطبيقًا للهاتف المحمول يتنبأ بمظهر الشاب عندما يصبح أكبر سنا.
استنادًا إلى صورة حالية، ينتج التطبيق صورة افتراضية تحاكي مظهر الشخص في المستقبل.
يحقق ذلك من خلال معالجة المعلومات من آلاف الصور لأفراد مسنين آخرين غير مرتبطين بهم.
وبينما تتعلم الخوارزمية "كيف يبدو الشخص المسن"، يمكنها تطبيق هذا التحويل على أي صورة معينة.
وعلى نحو مماثل، يحول برنامج VirtualMultiplexer صورة لصبغة واحدة تميز بشكل عام بين مناطق مختلفة داخل أنسجة السرطان إلى صور توضح الخلايا في تلك الأنسجة التي تظهر عليها صبغة إيجابية لجزيء محدد.
ويصبح هذا ممكنًا من خلال تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي على صور عديدة لأنسجة أخرى، تم فيها إجراء هذه الصبغات تجريبيًا.
بمجرد تعلم المنطق الذي يحدد صورة مصبوغة في الحياة الواقعية، يصبح VirtualMultiplexer قادرًا على تطبيق نفس النمط على صورة أنسجة معينة وإنشاء نسخة افتراضية من الصبغة المطلوبة.
الوقاية من الهلوسة
وقد طبق العلماء عملية تحقق صارمة للتأكد من أن الصور الافتراضية ذات معنى سريري وليست مجرد مخرجات تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تبدو معقولة ولكنها في الواقع اختراعات كاذبة، يطلق عليها "الهلوسة".
وقد اختبروا مدى قدرة الصور الاصطناعية على التنبؤ بالنتائج السريرية، مثل بقاء المرضى على قيد الحياة أو تقدم المرض، مقارنة بالبيانات الموجودة من الأنسجة الملطخة في الحياة الواقعية.
وأكدت المقارنة أن الصبغات الافتراضية ليست دقيقة فحسب، بل مفيدة سريريًا أيضًا، مما يدل على أن النموذج موثوق به.
وبالانتقال إلى عمق الموضوع، استخدم الباحثون جهاز VirtualMultiplexer في ما يسمى باختبار تورينج.
يحدد هذا الاختبار، الذي سُمي على اسم مؤسس الذكاء الاصطناعي الحديث آلان تورينج، ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على إنتاج مخرجات لا يمكن تمييزها عن تلك التي أنشأها البشر.
ومن خلال مطالبة خبراء علم الأمراض بالتمييز بين الصور الملونة التقليدية والتلوينات التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، اكتشف المؤلفون أن الإبداعات الاصطناعية يُنظر إليها على أنها قريبة من الصور الحقيقية، مما يدل على فعالية نموذجهم.
أحد أهم الإنجازات التي تميز جهاز VirtualMultiplexer هو نهجه متعدد المقاييس.
غالبًا ما تركز النماذج التقليدية على فحص الأنسجة على المستوى المجهري (مستوى الخلية) أو على المستوى الكلي (الأنسجة).
ويأخذ النموذج الذي اقترحه فريق من لوزان وبيرن في الاعتبار ثلاثة مقاييس مختلفة لبنية أنسجة السرطان: مظهرها وبنيتها الشاملة، والعلاقات بين الخلايا المجاورة، والخصائص التفصيلية للخلايا الفردية. ويسمح هذا النهج الشامل بتمثيل أكثر دقة لصورة الأنسجة.
تمثل الدراسة تقدمًا كبيرًا في أبحاث الأورام، حيث تكمل البيانات التجريبية الموجودة.
من خلال توليد صبغات محاكاة عالية الجودة، يمكن لجهاز VirtualMultiplexer مساعدة الخبراء في صياغة الفرضيات، وتحديد أولويات التجارب، وتعزيز فهمهم لعلم الأحياء السرطاني.
وترى ماريانا كرويثوف دي جوليو، رئيسة مختبر أبحاث المسالك البولية بجامعة برن، والمؤلفة المشاركة في الدراسة، أن هناك إمكانات مهمة لتطبيقات مستقبلية.
وتقول: "لقد طورنا أداة باستخدام أنسجة من أشخاص مصابين بسرطان البروستاتا، وفي البحث أظهرنا أيضًا أنها تعمل بشكل جيد على نحو مماثل لأورام البنكرياس - مما يجعلنا واثقين من أنها يمكن أن تكون مفيدة للعديد من أنواع الأمراض الأخرى".
كما أن النهج المبتكر لديه القدرة على دعم ما يسمى بنماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية في الدراسات البيولوجية.
وتكمن قوة هذه النماذج في قدرتها على التعلم من خلال معالجة كميات هائلة من البيانات بطريقة خاضعة للإشراف الذاتي، مما يسمح لها بفهم المنطق وراء الهياكل المعقدة واكتساب القدرة على أداء أنواع مختلفة من المهام.
المصدر : كيف يتولى الذكاء الاصطناعي التنبؤات السريرية في مرض السرطان؟