نافذة على العالم

أخبار قطر : سباق الرئاسة الأمريكية.. إثارة على طريقة هوليوود

الأحد 1 سبتمبر 2024 08:01 صباحاً

نافذة على العالم - عربي ودولي

62

01 سبتمبر 2024 , 07:00ص

❖ واشنطن - الشرق

لا تشبهُ انتخابات أمريكا الرئاسية شيئاً آخر، اللهم سوى أمريكا نفسها. غريبةٌ هي في أحداثها وتطوراتها. يتعايش في خضمها المعقول واللامعقول. تُظهر أحسن ما في أمريكا أحياناً وكثيراً ما تُظهر أسوأ ما فيها. لكن الانتخابات الراهنة تحديداً بلغت درجةً من السوريالية في تطوراتها جعلت أغلب المراقبين والمحللين والخبراء في هذا البلد، والعالم بأسره، أقرب لحالة الإصابة بالدوار. فخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، مثلاً، تعرض المرشح الجمهوري دونالد ترامب لمحاولة اغتيال صار بعدها بطلاً قومياً أسطورياً، وعقد الحزب الجمهوري مؤتمره العام في سياق زخمٍ هائل حسمَ بعده الإعلام السباق الرئاسي لصالح ترامب.

ثم حصلت المناظرة الأولى بين بايدن وترامب بشكلٍ كان أقرب للفضيحة بالنسبة للمرشح الديمقراطي، وتصاعدت الأصوات التي تطالب بانسحابه، وعلَت مقابلها الأصوات التي تصر على بقائه، إلى درجةٍ أصبح معها حال الحزب الدمقراطي مهترئاً وبائساً كما لم يحصل في تاريخه. ثم انتصرت (الدولة العميقة في الحزب) ، مما أدى لانسحاب بايدن من السباق، وترشيح نائبته كامالا هاريس. وسرعان ما التفت صفوف الحزب، من أصغر نصير عادي إلى قمة هرم ماكينته العملاقة، حول المرشحة الجديدة، وعاد الزخم الإعلامي والسياسي والاجتماعي والمالي إلى الحملة الديمقراطية بشكلٍ غير مسبوق، مروراً بترشيح نائبٍ للرئيس حاز بدوره شعبيةً كبيرة، وصولاً إلى عقد مؤتمر الحزب الديمقراطي بإخراجٍ هوليووديٍ ضخم، وبرنامجٍ سياسي عادت معه كل أطياف الديمقراطيين المُشتتة لتصبح كتلةً واحدةً من الحماس والتفاؤل «تحت خيمةٍ واحدة»، ولتنقلب استطلاعات الرأي وتُظهر تقدم المرشحة الديمقراطية في البلاد بشكلٍ عام، وفي الولايات الأساسية الستة التي ستُحسم فيها الانتخابات بشكلٍ خاص!

من هنا، لا يمكن التفريق في أي تحليل للانتخابات الأمريكية، كما سيظهر في هذه السلسلة الخاصة بـ (الشرق)، بين الإثارة التي تُشبه أحداث الأفلام الأمريكية وبين المعرفة والعلم بطبيعة النظام والفكر السياسي الأمريكيين، ونوعية التحولات التي حصلت في المجتمع الأمريكي اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وإثنياً، وكيفية تأثيرها في ذلك النظام وهذا الفكر وتأثرهما بهما. فلنتابع تفاصيل هذا المشهد في حملة انتخابية تهدف إلى انتخاب رئيس لأقوى بلد في العالم، سيؤثر انتخابه دون شك في مصير البشرية بأسرها بشكل أو بآخر.

«الدولة العميقة» في الحزبين الجمهوري والديمقراطي

قبل أسابيع قليلة، شهد الحزب الديمقراطي، ومعه الحملة الانتخابية، حدَثاً نادراً في التاريخ الأمريكي، يتمثل في انسحاب المرشح الأساسي للحزب، وهو في نفس الوقت الرئيس الحالي، من السباق الرئاسي، قبل أقل من أربعة أشهر من يوم الانتخابات! فكيف حصل هذا؟

إنها الدولة العميقة في مؤسسة الحزب الديمقراطي، هي موجودةٌ بقوة حين يتعلق الأمر بـ (ماكينة) الحزب الديمقراطي، كما هو الحال مع الدولة العميقة في (ماكينة) الحزب الجمهوري.

فبعد مقاومةٍ شرسة من قبل الرئيس جو بايدن، وجهازه الرئاسي والانتخابي الضخم، لمسألة الانسحاب من السباق الرئاسي، قبل الانتخابات بثلاثة أشهر فقط! رضخ الرجل وأعوانه ومناصروه لضغوط الدولة العميقة في الحزب الديمقراطي، وأعلن خروجه مُرغماً غير راغب. ما هي مكونات الدولة العميقة في الحزب الديمقراطي؟ إنها تتمثل في كبار الساسة المخضرمين الحاليين والسابقين، وكبار الممولين من رجال الأعمال، وكبار الاستشاريين والخبراء، وكبار الإعلاميين.

ويأتي في مقدمة السياسيين: الرئيس السابق باراك أوباما، وزوجته ميشيل ذات الشعبية والتأثير الجماهيري الكبيرين. نانسي بيلوسي المتحدثة السابقة لمجلس النواب. تشاك تشومر رئيس مجلس الشيوخ، هكيم جفري زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، فضلاً عن رؤساء اللجان الفرعية في الكونغرس بمجلسيه. وقف كل هؤلاء ضد استمرار بايدن في السباق بعد أن ظهر في مناظرته الانتخابية مع ترامب كرجلٍ عجوزٍ ضعيفٍ غير قادرٍ على التركيز وعلى التعبير.. وسرعان ما بدأت التسريبات وفقاً لتوزيع أدوارٍ محترف بين الأطراف الأربعة في الدولة العميقة للحزب. فبدأ الأمر بكبار الإعلاميين الذين كانوا الأسرع في نشر انتقاداتهم، ثم في نقل آراء المستشارين المخضرمين وأخبار توقف الممولين الكبار عن تمويل الحملة، دون ذكر أسماء في البداية، ثم الحديث عنها علناً بشكلٍ متدرج.

التأثير العائلي في السياسة موجود حتى في أمريكا!

أظهر سباق الانتخابات الرئاسية حجم التأثير العائلي في السياسة الأمريكية. قد يكون بمثابة المفاجأة للكثيرين، ممن يعتقدون أن مثل هذا التأثير لا يحصل إلا في البلاد التي تتهمها أمريكا نفسها بأنها (متخلفة)! وهذه واحدةٌ فقط من الأفكار النمطية (الإيجابية) التي ينظر العالم إلى أمريكا ونظامها من خلالها، في حين أن دراسة هذا النظام عن قربٍ ستُظهرُ زيفها، من مداخل فكرية ومعرفية، وليس من مدخل (هجاء أمريكا) التقليدي والمُبسط والمُختزل الشائع في مجتمعاتنا العربية. وهذا أمرٌ ستساهم هذه السلسلة بتبيان دلالاته وأبعاده مع متابعة عملية الانتخابات الأمريكية خلال الأسابيع القادمة.

إذ تبين تدريجياً أن زوجة الرئيس، جيل بايدن، كانت الأكثر شراسةً في رفض انسحابه، وفي دفعه للخروج مراتٍ على الإعلام معلناً إصراره على الاستمرار! ثم إن بايدن الزوجة جمعت أفراد العائلة كلها في البيت الأبيض، ورسمت لهم خطة للعمل على الضغط على الرئيس لإقناعه بالبقاء في الحملة من مداخل مختلفة.

لكن ضغط الدولة العميقة تصاعد، وانتقل إلى المرحلة الثانية المتمثلة في الحديث الصريح، بعد أن كان حديثاً موارباً. وأن هؤلاء جميعاً يشعرون أن استمرار بايدن سيؤدي لخسارةٍ كبيرة، ليس فقط للبيت الأبيض، وإنما أيضاً لمجلسي الشيوخ والنواب، ولحكام الولايات الأمريكية، وبشكلٍ تنتج معه هزيمةٌ ساحقةٌ للحزب الديمقراطي، ربما يحتاج لعقود للخروج من آثارها. ومع استمرار رفض بايدن، اضطر الطرف السياسي في الدولة العميقة إلى التصرف بشكلٍ مباشر، فذهب تشومر، رئيس مجلس الشيوخ، وجفري، رئيس الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، إلى البيت الأبيض في زيارةٍ غير معلنة يوم السبت 20 يوليو، ومعهما استطلاعات رأي خاصة داخلية قام بها خبراء الحزب، وأظهرت حجم التدهور في تأييد بايدن. وتم مواجهته بأن هذا لا يعني فقط كارثةً للحزب، وإنما أيضاً أسوأ نهايةٍ قاسية لمسيرته السياسية (الناصعة) والطويلة على مدى أكثر من نصف قرن!

عرف بايدن، وعائلته، مع الزيارة أن الطريق مسدودٌ كلياً أمامه. فخرج على الشعب الأمريكي اليوم التالي الأحد، في نوعٍ من الانتقام، ليخبر الشعب الأمريكي بخروجه من السباق في تغريدةٍ على موقع X (تويتر سابقاً)، دون أن يخبر أي مسؤولٍ في الحزب الديمقراطي، قبلَها، بأنه يعتزم فعل ذلك!

انتقام بايدن: مصائب قوم عند قوم فوائد

 المفارقة الكبرى، في حياة كامالا هاريس، وفي مصير الحزب الديمقراطي، وفي تاريخ أمريكا، بعد ذلك، كانت تتمثل في الجانب الآخر من «انتقام» الرئيس جو بايدن من الحزب، حين خرج بتغريدةٍ أخرى، بعد دقائق من تنحيه عن التنافس، أعلن فيها تأييده ترشيح هاريس لمنصب الرئاسة بعد خروجه من السباق. ذلك أن الدولة العميقة في الحزب لم تكن مقتنعةً، حتى ذلك الوقت، بذلك الاختيار. وكان الحديث المتداول بين أطرافها، ويتم تسريبه من الإعلام، أن كامالا ضعيفة، وأن شعبيتها قليلة، وبالتالي فلن تستطيع الفوز على ترامب. وأنها كانت، أساساً منذ اختيارها قبل أربع سنوات لمنصب نائب الرئيس، بمثابة صورة تكمل الماكياج الرئاسي، وترضي النساء والأقليات بأن لهم تمثيلاً في البيت الأبيض. بينما كانت توقعات الدولة العميقة تذهب باتجاه مجموعةٍ من حكام الولايات الديمقراطيين ذوي الجاذبية الجماهيرية مثل غافن نيوسم حاكم كاليفورنيا، وغريتشن ويمتر حاكمة ميتشيغان، وجو شابيرو حاكم بنسلفانيا.

بالمقابل، كانت القوى اليسارية وقيادات الأقليات والمجموعات النسوية في الحزب، منذ بدء الحديث عن انسحاب بايدن، أقرب لاختيار هاريس في حال انسحابه. لكنها لم تكن تملك من القوة نصيباً يسمح لها بفرض الأمر. وكان هذا الواقع المنقسم جزءاً من (الأزمة) التي كان الحزب الديمقراطي يعاني منها بشكلٍ عميق.

لكن كل هذا انقلب مائة وثمانين درجة مع لحظة ترشيح بايدن لهاريس لخلافته في السباق الرئاسي. حيث التقط هؤلاء طرف الخيط الذي أعطاهم بايدن إياه، وعملوا على تشكيل زخمٍ تدريجي سريع لسحبه إلى أقصى درجةٍ ممكنة. وساعدهم في هذا الحرجُ الكبير الذي وقع فيه رموز الدولة العميقة، حيث كان من المبالغة الضغطُ على بايدن للانسحاب، وهذه كبيرةٌ من الكبائر بحد ذاتها، ثم، فوقَها، تجاوزُ نائبته التي يُفترض، بالعرف السياسي / الدستوري، أن تكون الشخص الثاني بعده، خاصةً بعد خروجه السريع والمفاجئ لترشيحها لخلافته، علناً، ومخاطبتهِ للأمريكان، ولكوادر حزبه بأنها الأكثر تأهيلاً واستعداداً لتلك الخلافة.

وسرعان ما أدركت أطراف الدولة العميقة أن هذا بات «أمراً قد توجّه»، ومن الصعوبة بمكان تجاوزه بشكلٍ يحفظ وحدة الحزب، فقرروا، بعد تردد لأيام قليلة، اعتماده رسمياً، حيث تتالى خروج تصريحات التأييد الرسمية منهم لاختيار هاريس مرشحةً جديدةً للرئاسة. ومع الزخم الجماهيري والإعلامي الكبير الذي تصاعد بسرعة لصالح هاريس، وإعلانها عن استعدادها لقبول المهمة، انخرط الممولون والمستشارون وكبار الساسة في التوجه الجديد، وظهر لهم تدريجياً أنه كان الخيار الأكثر سلامةً وسرعةً في عملية البحث عن مرشحٍ جديد يعيد الروح إلى الحزب وجماهيره.

أخبار ذات صلة

مساحة إعلانية

المصدر : أخبار قطر : سباق الرئاسة الأمريكية.. إثارة على طريقة هوليوود

أخبار متعلقة :