السبت 16 نوفمبر 2024 07:14 مساءً
- Author, علي القماطي
- Role, بي بي سي
-
قبل 13 دقيقة
أصبحت زينب تربح وهي صحفية ومؤثرة ليبية، تعيش حالة خوف بسبب المضايقات التي ازدادت حدتها بعد تصريحات وزير الداخلية الليبي المكلف في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي حول فرض قيود على لباس وسفر النساء في ليبيا.
فبعد أيام من تصريحات الوزير الليبي، كانت زينب تقود سيارتها في الشارع العام، إلى أن تفاجأت بسيارة أخرى حاولت مضايقتها، وكادت أن تسبب حادثاً مروعاً، إذ قام شخص باعتراض طريقها وقام بـ"تهديدها" بسبب عدم ارتدائها الحجاب.
هذه الحادثة كانت الأكثر خطورة بالنسبة لزينب، ضمن مجموعة مضايقات أخرى تعرضت لها منها اللفظية في الشارع العام والإساءة على وسائل التواصل الاجتماعي، من أشخاص قاموا بالتهديد والسب والشتم.
وتقول زينب لبي بي سي إن "المضايقات والتحرش" موجودان في ليبيا قبل تصريحات الوزير، إلاّ أن حدتهما ازدادت في الآونة الأخيرة "دون وجود رادع".
مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أثار وزير الداخلية الليبي المكلف جدلاً واسعاً في ليبيا وخارجها، بعد مؤتمر صحفي، قال فيه إنه يسعى لتفعيل قرار إنشاء "جهاز الآداب العامة"، الذي قال إنه سيختصّ بـ"منع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، وتفعيل شرطة الآداب بالشوارع"، وضبط قواعد اللباس، ومنع النساء من السفر دون محرم، وتوعد بملاحقة "ناشري المحتوى غير اللائق عبر منصات التواصل الاجتماعي"، و"إغلاق المقاهي التي تقدم الأرجيلة"، وداعياً المدارس لـ"فرض الحجاب على الفتيات".
انقسمت آراء الشارع الليبي بين مؤيد لتصريحات الطرابلسي وبين معارض لها كما عكست مواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ أن عدداً من المنظمات الحقوقية انتقدت التصريحات التي اعتبرتها "تقييداً للحريات العامة" التي تكفلها القوانين والتشريعات الليبية.
ودولياً، أدانت منظمة العفو الدولية تصريحات الطرابلسي، واعتبرتها "تهديدات باسم الأخلاق، وتصعيداً خطيراً في مستويات القمع الخانقة أصلاً في ليبيا، بوجه الذين لا يمتثلون للمعايير الاجتماعية السائدة".
تقول زينب إنها تابعت التصريحات ولم تعلق عليها حينها، إلا أن ما تعرضت له من "حادث مخيف في الطريق السريع" اضطرها للحديث علناً، بمناشدة السلطات الليبية لحماية النساء اللاتي يتعرضن بالأساس إلى "مضايقات وتحرش"، مشيرة إلى أن "هناك نساء محجبات يتعرضن للمضايقات" وشاركن تجاربهن أيضاً مع زينب كما تروي لبي بي سي.
وتؤكد زينب أنها "لا تعارض الحجاب، وستلتزم بأي قوانين واضحة ومفصلة يتم إقرارها"، ولكنها تعارض "الطريقة التي خرجت بها هذه التصريحات، التي أعطت ذريعة لعامة الشعب لزيادة المضايقات والتحرش ضد النساء".
كيف عرفت ليبيا غطاء الرأس؟
عُرف غطاء الرأس في ليبيا منذ الحضارات القديمة ما قبل الإسلام، إذ تشير بعض الدراسات الأنثروبولوجية حول اللباس في منطقة شمال أفريقيا – ومن بينها دراسات إيفانز بريتشارد - إلى لباس الأمازيغ والشعوب القديمة في المنطقة وليبيا تحديداً، الذي كان يتضمن غطاءً للرأس كجزء من لباس المرأة، إذ كانت النساء يرتدين أغطية رأس من القماش أو الصوف تُلف حول الرأس وتُربط بطريقة بسيطة للحماية من الشمس بسبب الظروف المناخية، ومن بين النساء اللاتي عرفن بذلك، الملكة الأمازيغية "ديهيا" التي تشير الكتب التاريخية إلى أنها كانت ترتدي غطاءً للرأس رغم كونها محاربة.
ومع دخول الإسلام للبلاد في القرن السابع، أصبح غطاء الرأس جزءاً من الهوية الدينية، وفقاً للمذهب الإسلامي المالكي الذي تنتهجه ليبيا ويُلزم النساء بارتدائه، وأصبحت "الفراشيّة" شكلاً للحجاب الإسلامي الذي تميزت به نساء ليبيا ومناطق في تونس والجزائر مع اختلاف التسميات، وهي رداء من الصوف أو الحرير أبيض اللون، تلفّ به المرأة جسدها بطريقة لا يظهر منه سوى الوجه واليدين.
وعلى الرغم من شيوع ارتداء "الفراشيّة" حتى في الوقت الحاضر، إلا أن شكل الحجاب تأثر أيضاً بتقاليد الدولة العثمانية في فترة حكمها لليبيا، إذ تأثرت الليبيات حينها بشكل الحجاب العثماني، وانتشر في البلاد شكل الحجاب الريفي، وهو قطعة قماش صغيرة وعادة ما تكون مزخرفة، تغطي الرأس والرقبة وتربط أسفل الذقن لتثبيتها.
مع بدايات القرن العشرين وتنازل الدولة العثمانية عن ليبيا لإيطاليا عام 1911، انتهج الاحتلال الإيطالي حينها سياسة تحررية في البلاد، وشاعت الثقافة الغربية خاصة في بعض المدن الكبرى مثل طرابلس وبنغازي، وظهرت أنماط جديدة للباس خاصة بين النساء، فيما حافظت بعض المناطق الريفية على نمط اللباس التقليدي.
وبعد استقلال ليبيا وقيام المملكة الليبية عام 1951، انتهجت البلاد سياسة دينية ملتزمة، إذ كان الملك إدريس السنوسي، أحد أبرز أعلام الطريقة الصوفية ليس في ليبيا فقط، لكن في كامل شمال أفريقيا، ومع ذلك، لم يتم فرض الحجاب بصورة إلزامية في البلاد، وحتى أن الملكة فاطمة السنوسي زوجة الملك حينها، لم تكن ترتدي الحجاب.
بعد انقلاب عام 1969، ووصول العقيد الراحل معمر القذافي للحكم، تباينت سياسات النظام تجاه الحجاب خلال الأربعة عقود التالية، إذ شجّع القذافي في بعض الفترات من حكمه على التحرر الاجتماعي، ولطالما عُرف عنه اعتماده على نساء غالبيتهن غير محجبات لحراسته، لكن في فترات أخرى دعا إلى الالتزام بالحجاب والزي التقليدي تحت مظلة مشروع "العودة إلى الأصول" الذي بدأ مطلع التسعينيات، وهي فترة دخلت فيها أنماط جديدة لشكل الحجاب إلى ليبيا، كـ"العبايات السوداء" و"النقاب"، و"الجبة".
أما بعد عام 2011، أصبح الحجاب أكثر جدلاً في ليبيا، فمع تصدّر بعض التيارات الإسلامية للمشهد السياسي والاجتماعي في البلاد، ظهر تأثير واضح على لباس المرأة لاسيما في المناطق التي تسيطر عليها هذه التيارات، بينما تتوجه مجموعات أخرى إلى ترك الحرية للنساء في اختيار طريقة حجابهن.
ومع كل التغييرات على مر التاريخ، لم تتضمن التشريعات الليبية أي قوانين تفرض ارتداء الحجاب، أو تلزم شكلاً محدداً للباس خاصة للمرأة، وضمنت النصوص القانونية التي تم العمل بها في البلاد الحريات الشخصية.
"من يحمينا في بلدنا؟"
بالعودة إلى القوانين والتشريعات الليبية، لم نجد جهة تحمل اسم "شرطة الآداب" حتى عام 2021، حين أصدر مكتب حقوق الإنسان في وزارة الداخلية توصية لوزير الداخلية حينها خالد مازن، باستحداث جهة لـ"ضبط الآداب العامة"، وأوضحت تلك التوصية اختصاصات الجهة ولم تتضمن الحجاب واللباس.
وبعد الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي حول تصريحات الوزير، انتشر قراران أحدهما عن المجلس الرئاسي، والآخر عن مجلس الوزراء، بشأن استحداث جهاز لـ"الآداب العامة" دون توضيح مهامه، وهما القراران ذاتهما اللذان أشار لهما الطرابلسي في مؤتمره الصحفي حين قال: "هناك شرطة للآداب العامة، لكنها لم تُفعل لأننا لم نجد الشخصية المناسبة لتولي المنصب".
واعتبرت خديجة البوعيشي القانونية والأكاديمية أنه من الناحية القانونية فإن تصريحات الطرابلسي تحتاج لإعادة نظر، إذ أنه "جرّم أفعالاً تعتبر قانوناً حقوقاً طبيعية، كالحق في اختيار اللباس وتحديداً الحجاب من عدمه و الحق في التنقل والسفر للنساء و هي حقوق دستورية"، مشيرةً إلى أن "الآداب العامة والأخلاق التي تُحدّد ببعض مواد قانون العقوبات، لا تشمل ما أورده الطرابلسي في تصريحه".
وتؤكد البوعيشي لبي بي سي أنه "لا يوجد أي نص قانوني في التشريعات الليبية يلزم النساء بارتداء الحجاب من عدمه"، مبينةً أن الوزير كان "من الأولى له أن يتحدث عن الدور الحقيقي للشرطة باعتبارها سلطة إنفاذ القانون و حماية الحقوق و ممارستها و منع الاعتداء عليها".
وتوافق البوعيشي زينب على أن حملة التحرش و الإساءة التي تتعرض لها النساء "زادت حدتها بعد تصريح الوزير الذي أجاز ولو بشكل غير مباشر أن تكون النساء أهدافاً للشتم و الملاحقة طالما لم يمتثلن لتصوره عن الطريقة المثلى للباس النساء".
حاولت بي بي سي التواصل مع وزارة الداخلية الليبية، إلاّ أن عدداً من إداراتها رفضت التعليق على تصريحات الوزير حتى نشر هذا المقال، فيما اختار المجلس الأعلى للمرأة في ليبيا عدم التعليق حتى الاجتماع مع الوزير منتصف الأسبوع الجاري.
أما زينب فحاولت التواصل مع العديد من الحقوقيين والقانونيين لمعرفة الإجراء الذي يمكن أن تتخذه بهدف حماية حياتها، وأوضحت لبي بي سي أنها وصلت إلى "مكتب معني بحقوق الإنسان في مكتب النائب العام"، مشيرةً إلى أن هناك "شكوى رسمية مقدمة من عدد من الحقوقيين لدى النائب العام"، "لكن الإجراء الذي سيتخذه هذا المكتب سيكون مجرد توجيهات للوزير لضمان عدم تكرار ذات الخطاب".
وتوضح زينب أن "كلام الوزير لا يعتبر تحريض لكنه أصبح ذريعة لدى البعض الذين استخدموه بطريقة مسيئة دون أي سند قانوني"، متسائلة عن "من سيتحمل المسؤولية إذا حدث لي شيء؟ خاصة أن وزارة الداخلية التي يُفترض أن تحمي المواطنين هي المسؤولة عما يجري".
وترى زينب أن الحل الآن يكمن في ذات الطريقة التي انتهجها الوزير، "مثلما تحدث عن الحجاب واللباس، يجب أن يخرج ويتحدث عن عقوبات وإجراءات صارمة ورادعة ضد المتحرشين لحماية النساء ويضمن عدم تعرض النساء للإساءة"، مؤكدة أنه "يجب أن نشعر بأننا محميات في بلادنا".
أخبار متعلقة :