الثلاثاء 12 نوفمبر 2024 05:27 مساءً
أكّد علماء في دراسات حديثة أنّ عدد القوارض حول العالم يرتفع نتيجة تغير المناخ والاحتباس الحراري وما ينتج عنهما من فصول دافئة أطول من العادة.
وتُعرف هذه الحيوانات أصلاً بقدرتها العالية على التكاثر وإنجاب أعداد كبيرة في وقت قصير.
وقد يكون لزيادة عددها مع الوقت، تداعيات سلبية على مستقبل صحتنا وعلى توازن نظام الطبيعة.
واعتمد البشر منذ عقود بعيدة على وسائل مختلفة للتخلص من القوارض، لا سيما الجرذان والفئران، خاصة خلال تفشي أمراض وأوبئة على شاكلة الطاعون، لكنّ قدرة هذه الحيوانات على التكاثر سريعاً والتكيف مع الظروف البيئية، حالت دون إيجاد حلّ نهائي وحاسم.
وعلى أيّ حال، يجب أن لا يخلو العالم من القوارض، بما في ذلك الفئران والجرذان، لأنّها مثل الحيوانات الأخرى، يساهم وجودها في الحفاظ على التوازن، بينما يضرّ انقراضها أو زيادة عددها بشكل كبير بالنظام البيئي.
ما علاقة تغير المناخ بزيادة عدد القوارض؟
تتكاثر القوارض في الفصول الدافئة، وتنام أو تدخل عادة في ما يعرف بالسبات الشتوي خلال الفصول الباردة. لكن في ظلّ تغيّر المناح وارتفاع درجات الحرارة، ستجد هذه الثدييات ظروفاً مناسبة للتكاثر.
ورصد علماء هذه العلاقة في أكثر من دراسة وفي دول مختلفة.
ونشر موقع أورونيوز في يونيو/حزيران 2022 تحقيقاً عن زيادة عدد نوع من الفئران (الفأر ذو الأقدام البيضاء) في الولايات المتحدة.
وأشار التقرير إلى أنّ الشركات المسؤولة عن مكافحة القوارض في المنازل، تلقت عدداً كبيراً من الشكاوى عن وجود فئران، خلال فصل الشتاء، وهو أمر غير مألوف.
كما كثرت الشكاوى حول زيادة عدد الفئران والجرذان في باريس مؤخراً، ونشرت العديد من مقاطع الفيديو خلال الألعاب الأولمبية على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت انتشاراً ملفتاً للجرذان، بعضها كبير الحجم.
لكن شهرة جرذان العاصمة الباريسية قديمة. وكتبت مجلة "لو باريسيان" في يونيو/حزيران 2020 عن مساهمة تغير المناخ في زيادة عددها وتغيير حجمها.
ونشر مركز مكافحة الآفات في كندا، عام 2022 تحقيقاً عن احتمال زيادة عدد الفئران في كندا مع استمرار التغير المناخي.
ويشير علماء إلى قدرة هذه الحيوانات العالية على التكيف مع التغيرات الجغرافية والمناخية.
لكنّ تغير المناخ ليس هو السبب الوحيد لتكاثر القوارض. إذ يقول الباحث المتخصص في الحياة البرّية شادي عنداري لبي بي سي نيوز عربي، إنّ النشاط البشري يساهم إلى حد كبير في هذه الاختلال.
ويشير عنداري الذي يملك خبرة سنوات من العمل في مجال رعاية الثدييات والطيور، إلى أنّ النشاط العمراني والزراعي البشري العشوائي، بالإضافة إلى قتل وصيد الحيوانات التي تشكّل القوارض غذاءً رئيسياً لها، يدفع أيضاً بزيادة أعداد الجرذان والفئران والقوارض الأخرى في الحقول الزراعية.
كيف تتكاثر الجرذان والفئران ؟
تتميز القوارض بأن دورة حياتها قصيرة لكنها نشطة جدا فيما يتعلق بالتكاثر، إذ يقدر عددها بالمليارات حول العالم.
تستطيع أنثى الجرذ إنجاب 6 إلى 12 من الجرذان الصغيرة ست مرات في السنة: أي أنّ الأنثى الواحدة قد تكون مسؤولة عن إنجاب عدد يتراوح بين 36 و72 جرذا كل عام.
تبدأ مرحلة الإنجاب عند الجرذان بعد ثلاثة أشهر على ولادتها.
وتستطيع أنثى الجرذ التزاوج بعد يومين على الإنجاب.
وتبلغ فترة الحمل عند الجرذان 21 يوماً.
وتستطيع الجرذان أن تحيا حتى ثلاث سنوات.
تنحدر الفئران من نفس عائلة الجرذان لكنها أصغر حجما.
وتمتد فترة حمل أنثى الفأر من 19 إلى 21 يوماً. وتستطيع أن تنجب من 10 إلى 12 فأرا.
كما تستطيع أن تتزاوج من جديد بعد 24 ساعة على إنجابها. هي تعيش حتى عام ونصف.
ويصل عدد المرات التي تحمل وتنجب فيها أنثى الفأر حتى 15 مرة كل عام.
كيف سيؤثر تكاثرها على حياتنا؟
الخطر الأكبر المتعلق بتكاثر القوارض وخاصة الفئران والجرذان، يطال أمننا الغذائي.
فحقول القمح والذرة والحبوب وأشجار الفاكهة والخضار، تشكل مصدر الغذاء الأول لنا وللقوارض أيضاً.
وعدم مكافحتها في الأماكن التي تنتج فيها مصادر الغذاء، يعني إلحاقها الضرر بالمحاصيل.
وبينما تشكّل هذه الثدييات الصغيرة ضرراً أقل على الغذاء في المدن، لأنها تتغذى بشكل عام على الفضلات. لكنها هذه الحيوانات شهيرة بنقل ونشر الأمراض والأوبئة، رغم أنّ مجلة "نايتشر إيكولوجي أند إيفولوشن" المتخصصة بالقضايا البيئية، نشرت تحقيقاً يرجّح أن القوارض التي تعيش في المدينة، قد لا تسبب بنقل أوبئة مميتة. وأنّ الطيور كالحمام تشكّل خطراً أكبر في ما يخصّ نقل ونشر الأمراض.
وتضرّ القوارض في بعض المدن بشبكة البنى التحتية، التي تشكل ملاذاً آمناً وممرّاً للتنقل وتدمير كل ما يعيق طريقها للبحث عن الطعام.
الإنسان ضدّ القوارض: حرب عمرها قرون
حاول البشر عبر طرق عدة القضاء على هذه الثدييات في المنازل والشوارع والحقول.
واستخدم الإنسان المبيدات والسموم، في المدن وفي الحقول.
لكنّ هذه الوسائل، وفق ما ذكر شادي عنداري، قد تضرّ ليس فقط بالأرض والتربة، بل أيضاً بحيوانات برّية أخرى.
وهذا ما أكدّه موقع "الجوارح هي الحلّ" (raptors are the solution) في الولايات المتحدة، مشيراً إلى الضرر التي تسببه هذه المواد على حياة الطيور.
واعتمد الإنسان على القطط الأليفة التي أظهرت فعالية حتى يومنا هذا في العديد من التجارب. ويُنسب للقطط دور مهمّ في إنقاذ مدن أوروبية مثل البندقية من الطاعون بسبب قتلها للجرذان في القرن الرابع عشر.
ويُقال إنّ المرسوم الكنسي الذي صدر عن البابا غريغوري التاسع في تلك المرحلة، والذي اعتبر أنّ القطط مخلوقات شيطانية ودعا إلى قتلها وإبعادها، ساهم في انتشار المزيد من الجرذان والفئران وبالتالي مرض الطاعون.
وهجّن البشر بعض أنواع الكلاب الأليفة – معظمها صغير ومتوسط الحجم - ودربوها على ملاحقة وقتل الجرذان والفئران.
لكنّ هناك تجارب أخرى، تعتمد على الطبيعة في التخلص من القوارض، ويعني ذلك الاعتماد على ثدييات وطيور برّية تصطاد القوارض.
أعداء القوارض، أصدقاء المزارع
انطلق المتخصص بالحياة البرّية شادي عنداري من واقع تأثير تغير المناخ من جهة، وتأثير النشاط البشري السلبي من جهة أخرى، للتفكير بمشروع طويل المدى، هدفه حماية أنواع الطيور والثدييات المقيمة والمفترسة للقوارض في المناطق المحيطة بمحمية غابة أرز تنورين الطبيعية (شمال لبنان).
يقول عنداري إنّ الصيد العشوائي والمعتقدات الخاطئة ساهما في قتل الطيور الجارحة والأفاعي التي تساهم في خفض عدد القوارض وبالتالي إلى حماية المحاصيل الزراعية.
من خلال زياراته إلى المنطقة، استمع عنداري إلى شكاوى المزارعين المتضررين.
"تشتهر منطقة تنورين ببساتين الفاكهة والتي تكثر فيها أشجار التفّاح – والقليل من بساتين الحبوب. تعتبر القوارض من أكثر وأهم الآفات التي تهاجم الأشجار والمزروعات الأخرى".
انطلق في دراسة المشروع ليتحول إلى عمل مشترك تنفذّه "الجمعية البيئية تنّور ونور" في تنورين، بالشراكة مع "جمعية حماية الطيور في لبنان ABCL "، وبتمويل من برنامج المنح الصغيرة - المرفق العالمي للبيئة / برنامج الأمم المتحدة للتنمية.
استند عنداري في دراسته إلى مشاريع مماثلة نفّذت في بلاد أخرى مثل شيلي، لكنّه استند أساساً إلى واقع أنّه لا بدّ وأنّ انخفاض عدد الجوارح والأفاعي ساهم في ارتفاع عدد القوارض. وأنّ وجود أعداء القوارض الطبيعيين قد يساعد على التخلّص منها.
يقول إنّ المشروع طويل المدى، ومن المبكر الوصول إلى استنتاجات، لكنّه يأمل أن يصل إلى مسح بحلول نهاية العام، يظهر أرقاماً تتعلق بعدد القوارض وتأثرها أو عدمه، بوجود أعدائها الطبيعيين.
لكنّ عنداري يؤكد أنّ هذه الطرق أقل كلفة على المزارعين وأقلّ ضرراً على التربة والحياة البرية مقارنة مع استخدام المبيدات الكيميائية.
دراسة ومراقبة القوارض وأعدائها
كان لا بد لفريق العمل من القيام بدراسات عديدة نظرية وميدانية شملت:
- تقييم أنواع الطيور المقيمة (النهارية والليلية) التي تصطاد القوارض. ويدرس الفريق توزيع والعادات الغذائية والتهديدات التي تواجه الأنواع النهارية من الطيور الجارحة، وهي ثلاثة انواع (عقبان، بزاة، الصقور.) والليلية (4 أنواع من البوم)
- يقوم الفريق بزيارات دورية نهارية وليلية للمنطقة ويسجّل البيانات المتعلقة بهذه الطيور (الأنواع، التفريخ، السلوك....). كما يتمّ جمع ما يبصقه الطير الجارح لمعرفة نظامه الغذائي وذلك من بقايا العظام والوبر.
- تقييم أنواع الثدييات الآكلة للقوارض: فهم انتشار الحيوانات الثديية آكلة اللحوم (الذئب، ابن آوى، الضبع) وعاداتها الغذائية وتقييم التهديدات القائمة. قام الفريق بنشر مجموعتي كاميرات تعمل بنظام الحركة. ثلاث منها ثابتة ضمن نطاق المحمية، وثلاث تُبدل مواقعها مرّة كل شهر لتغطية المواقع المختلفة.
الهدف من التوثيق أيضاً هو إظهار تفاعل وأهمية الحياة البرّية للمزارع، في إطار مكافحة القوارض.
- تقييم أنواع القوارض: يقوم فريق المشروع بدراسة أنواع وأعداد القوارض عبر استخدام مصالي (فخاخ تحافظ على حياة الحيوان) خاصة، بشكل دوري في مختلف المواقع. تشكّل هذه الدراسة معلومة أساسية للمقارنة في مرحلة لاحقة ولمراقبة التغيّرات في أعداد وانتشار القوارض.
تأمين وحماية موطن أعداء القوارض
تتضمن الخطة كذلك حملات توعية وورش عمل لتوعية المحليين من مزارعين ومقيمين وطلاب وهواة الصيد ورعاة الماشية. وإشراكهم السكان في مبادرات ضمن المشروع واطلاعهم على نتائج الدراسات العلمية.
ويشارك في حملات التوعية أيضاً خبير الزواحف رامي خشّاب للإضاءة على أهمية الزواحف كمكافح أساسي للقوارض ضمن عملية طبيعية متكاملة تحافظ على جميع أنواع هذه الحيوانات.
وفي مقابلة سابقة مع بي بي سي عربي نيوز، أشار خشّاب إلى أن أغلب أنواع الأفاعي الموجود في لبنان غير سامة أو معتدلة السمّ، على عكس المفاهيم الخاطئة التي ساهمت بشدّة في قتل الأفاعي والثعبان.
وعلى جانب آخر، يشارك الناشط البيئي في إنقاذ الطيور البرّية ميشال صوّان، في المشاركة عبر تحرير بعد الطيور التي ينقذها بعد تعافيها، في المنطقة الخاصة في المشروع.
ومن ضمن النشاطات التوعوية، قام المشروع بالتعاون مع "الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة" بإطلاق طيور بوم يافعة أُنقذت من السوق السوداء بعد إعادة تأهيلها في مركز جمعية "حماية الطيور في لبنان" وذلك لدورها الاساسي بالتوازن البيئي.
ويتضمن المشروع شراء معدات لمكافحة الحرائق المتوقع ازدياها – وفق ما أشار عنداري – مع الاحتباس الحراري العالمي.
وفي إطار إنشاء ظروف إقامة أفضل للطيور الجارحة والثدييات المفترسة للقوارض، تحدث عنداري عن زراعة أكثر من 1000 شجرة وشجيرة لإنشاء موطن مناسب وجذّاب يسمح بالحركة الآمنة للحيوانات والاستفادة من فاكهة هذه الأشجار للغذاء. كما تساهم هذه النصوب بتثبيت التربة ضد السيول.
وأُنشئت مشارب للمياه تستفيد منها الماشية والحيوانات البرّية في الوقت ذاته، فتبتعد عن إلحاق الضرر بالبساتين المحيطة، وعن أنابيب الريّ التي تثقبها أحياناً بهدف شرب المياه.
هل سينجح أصدقاء المزارع في مهمّتهم؟
لا يمكن لآثار هذه التجارب أن تظهر سريعاً.
يقول عنداري إنّ هذه المهمّة طويلة المدى، ولن تظهر نتائجها قبل وقت طويل، رغم العمل على إمكانية الحصول على كشف أوّلي لعدد القوارض بحلول نهاية العام.
راسلت بي بي سي منظمة "الجوارح هي الحل" التي تقوم بحملات توعية لحماية هذه الطيور.
ونشرت الجمعية أكثر من تقرير عن دراسات علمية تؤكد مدى فعالية الطيور الجارحة في محاربة القوارض.
ورداً على أسئلة تتعلق بنتائج هذا الحل في مكافحة القوارض، أرسلت المنظمة الأمريكية لبي بي سي نيوز عربي، تقريراً تحت عنوان "فوائد الجوارح".
وذكرت فيه نقلاً عن دراسة للباحث مارك برونينغ نشرها عام 2016 واستغرقت ثلاث سنوات، أنّ طائر البوم نجح خلال عامين في التخلّص من 25682 من القوارض .
وقال إن التكلفة بلغت 26 سنت لقتل قارض واحد بطير جارح، مقابل نصب الفخاخ التي تبلغ كلفة قتل قارض واحد فيها 8.11 دولار.
المصدر : أخبار العالم : ما أسباب الزيادة الكبيرة في عدد القوارض؟